افريقيا


الحِرَفْ اليدوية في تونس


تعتبر تونس ملتقى العديد من الحضارات بونيقية ورومانية واغريقية وقرطاجانية وعربية /إسلامية وهو ما ساعد على تشكيل مخزون تراثي وحضاري فسيفسائي فيه الكثير من التنوع والثراء وتناقلت الأجيال المتعاقبة العديد من عادات وتقاليد هذه الحضارات على غرار الحرف التقليدية وعادات الملبس والأكل والمعمار وسلوكيات ثقافية أخرى لا تزال الى اليوم حاضرة بخصوصياتها ورونقها.

ولأن الأنشطة الحرفية فى تونس ارتبطت منذ القدم بالحاجيات اليومية للمجموعات السكانية فانه لا تكاد تخلو جهة من الجهات من منتوج حرفي اشتهرت به ونجحت فى تطويع ما توفر بها من مواد اولية لصناعة مستلزمات عيشها وما تعاقب عليها من ثقافات وحضارات طبعت نمط حياتها.

ففى حاضرة تونس لاسيما /المدينة العتيقة/ وبين انهجها وازقتها ذات الطابع المعمارى العربي/ الاسلامي مازالت تنتصب اليوم سلسلة من الأسواق الحرفية لكل منها صنعة اشتهرت بها.

شيوخ وكهول وشباب ايضا يكابدون من اجل ان تبقى تلك المنتوجات اليدوية حية فى الذاكرة وجزءا لا يتجزأ من الموروث الثقافى الوطني وتبدأ رحلة اكتشاف سحر الماضي بكل مكوناته منذ الخطوات الاولى امام ابواب المدينة العتيقة التى اشتهرت بها على غرار/ باب بحر/ او /باب جديد/ او/باب سويقة/ او /باب سيدى عبد السلام/ وغيرها…

طابع معمارى عربي/ اسلامي متميز نواتها جامع الزيتونة المعمور وحوله التفت عدة اسواق حرفية وتجارية ومؤسسات تعليمية فضلا عن المعالم التاريخية و الاحياء السكنية فالاسوار الخارجية التى اندثر اغلبها اما الاسواق الحرفية فهي عديدة فهذا سوق الشواشين حيث تصنع الشاشية التونسية والتى دخلت تونس مع قدوم الاندلسيين والموريسكيين وهذا سوق العطارين الذى اشتهر بفن تقطير العطور وسوق البلغجية (البلغة حذاء من الجلد يرتديه الرجال) كذلك سوق النحاس الذى عرف بفن تطريق النحاس وصنع الاواني المنزلية والتحف وسوق البركة والذى اختص فى صنعة الذهب والمجوهرات وسوق اللفة وهو معقل صناعة المنسوجات من الصوف والحرير وخاصة البرنس والجبة والكدرون وسوق السراجين وبرع حرفيوه فى تطريز الحرير بالفضة والعدس وغيرها من الاسواق التى يجد التونسي والسائح على السواء متعة فريدة فى زيارتها واكتشاف ما تنتجه الانامل من مصنوعات تقليدية تسر الانظار.




ومن الحرف التى ازدهرت فى العاصمة وعدد من المدن الداخلية صناعة الحلي والتى تعود الى العهد البونيقي فنجد /الخلخال/ و/ الريحانة/ و/الخمسة/ و كذلك الفضيات والحلي المرصع بالعنبر والمرجان.

وعرف عن نساء حاضرة تونس صناعة انواع من الحلويات التقليدية من ذلك البقلاوة وخاصة بقلاوة الباى وهي من اصل تركي الى جانب اصناف اخرى على غرار الكعك والزريقة / كريمة بالزقوقو/ والجاوية /حلوى سيدى بلحسن/ وطواجن الفستق واللوز.

وفى زغوان انتشرت صناعة تقطير زهر النسرى منذ عقود حيث لا تكاد تجد منزلا لا تحتوى حديقته على هذه الزهرة واليوم يحتفى ب/النسرى/ سنويا من خلال مهرجان يستقطب الالاف من الزوار التونسيين والاجانب.

واشتهرت جهة الوطن القبلي بصناعة الفخار والاواني الطينية والصناعات الجلدية والبلور وتقطير الزهر.

وبرع الحرفيون فى تجديد هذه الصنائع التقليدية والنهوض بها فتجاوزت شهرتها حدود الوطن وساهم تدفق السياح على الجهة فى الترويج لها فى مختلف بقاع العالم.

وفى دار شعبان الفهرى نشأ فن النقش على الحجارة وتوزعت الورشات الحرفية هنا وهناك فى منافسة لا تهدأ من اجل مزيد الابتكار والتجديد.

وعلى امتداد الساحل التونسي ازدهرت حرف النسيج وتقطير العطور وصناعة الملابس الجلدية وبرعت النساء اساسا فى التطريز وصناعة الملابس النسائية ولا سيما الخاصة بالمناسبات والافراح.

وعرف عن اهل جزيرة جربة اتقانهم صناعة الفخار اليدوى والقلال. واورد بعض المؤرخين ان خزافو جربة هم اول من استعمل الدولاب اليدوى لتشكيل منتوجاتهم واصل هذه الصنعة فينيقي ويوناني برع في تطويره حرفيو جربة على مر الزمن حتى اصبح احدى اهم مكونات المنتوج السياحي للمنطقة.

أما جهات تطاوين وقبلي المتاخمة للصحراء والمرتبطة بحضارة الرحل والقوافل التى مرت بها فقد تاثرت بالكثير من عادات البدو وتقاليدهم التى مازالت الى اليوم شاهدة على الالبسة المصنوعة من الصوف وصناعات جلدية ومنسوجات حائطية الى جانب مجسمات صغيرة للخيام التى كانت فى ما مضى سكن البدو فى حلهم وترحالهم وتجد اقبالا من السياح لطرافتها.

وفى منطقة الجريد حيث تمتد واحات النخيل تنتشر صناعات حرفية اتخذت من جذوع النخيل وسعفها مادة اولية برع السكان القدامى والحاليون فى تطويعها فصنعوا الاثاث المنزلي والمستلزمات والاواني فضلا عن ابواب المنازل والاسقف ومن سعف النخيل صنعوا السجاد والحصير والقفة والطربوش وتحف الزينة وغيرها.

ومعماريا تتميز الجهة بطابع فريد بطله الاجر المحلي او /القالب/ كما يحلو لسكان الجهة تسميته فتوشح به واجهات المباني والسوارى والاسقف مما يضفى عليها ابعادا جمالية رائقة.

وغير بعيد عن توزر اشتهرت جهة قفصة بصناعة /الكليم/و/المرقوم/ وهو منسوج حائطي او ارضي من الصوف الطبيعي يجسم اشكالا هندسية بديعة ذات الوان مستوحاة من ارث الجهة الطبيعي والاجتماعي.

وفى هذه المدن الجنوبية احتفظ المطبخ الى اليوم باكلات اصلها بربرى وهي /البركوكش/ مع اختلاف بسيط فى استعمال البهارات وهي اكلة تشبه الى حد كبير /الكسكسي/ لكن حباته اكبر وكذلك خبز /المطبقة/ و/المردومة/.

والحديث عن الصناعات الحرفية فى تونس لا يستقيم دون ذكر الزربية التى اشتهرت بها القيروان وتجاوز صيتها حدود المكان لتصبح العلامة المميزة لكامل الجهة وورد ذكرها فى كتب الرحالة والمؤرخين ويقال ان هذه الصنعة من اصل تركي وفدت على بلادنا ابان الحقبة الحسينية.

وفى مدن الشمال التونسي ازدهرت صناعات النقش على الخشب وبرع حرفيوها فى انتاج اواني منزلية وتحف فنية من اغصان الاشجار كما اشتهرت سجنان /بنزرت/ بصناعة الخزف اليدوى وباجة بصناعة الاجبان وماطر بصناعة البارود.

كما استفادت جهة تالة (ولاية القصرين) بما احتوته اراضيها من مخزونات هائلة من الحجارة المرمرية فازدهرت صناعة تحويلها على نطاق واسع وبالنظر الى اهمية المحافظة على هذا الموروث الثقافي والحضارى وضمان ديمومته حظي قطاع الصناعات التقليدية فى تونس باهتمام خاص تترجمه بالخصوص الجهود المبذولة للاحاطة بالحرفيين وتطوير عمل هياكل المساندة ومسالك التزود بالمواد الاولية وتوزيع المنتوجات.

ومن المبادرات الهادفة لمزيد دعم القطاع وترسيخ الهوية التونسية وتربية الناشئة على القيم الأصيلة قرار رئيس الدولة سنة 1991 اعلان السادس عشر من مارس من كل سنة يوما وطنيا للباس التقليدي تجذيرا للاصالة وتحقيقا للمصالحة بين المواطن التونسي ولباسه التقليدي وتقام بهذه المناسبة التظاهرات الفكرية والترويجية وطنيا وجهويا ومحليا لابراز خصوصياته والتحسيس بضرورة الحفاظ عليه وتشجيع الحرفيين على مزيد الابتكار بهدف تطويره وتشجيع الشباب على الاقبال عليه.

كذلك ينتظم سنويا فى العاصمة خلال فصل الربيع الصالون الوطني للابتكار فى الصناعات التقليدية يشارك فيه المئات من الحرفيين من مختلف مناطق البلاد لتقديم اخر ابتكاراتهم وابداعاتهم فى اختصاصات حرفية عديدة بهدف التعريف بها واستشراف فرص الترويج والتصدير.

ولمزيد النهوض بالقطاع وتكوين جيل جديد من الحرفيين الشبان تم احداث عدة مؤسسات جامعية مختصة فى التكوين فى مهن الفنون والحرف موزعة على عدد من مناطق البلاد وينتظر ان تشمل كل الجهات وذلك بغية تطوير التعليم الاكاديمي فى اختصاصات الصناعات التقليدية المحلية ودفع الناشئة الى الابتكار.

 

<< الإعلام في الجزائر لباس تقليدي مغربي >>

API: RSS | RDF | ATOM
 
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع