افريقيا


حركة العلم و الأدب في الجزائر?


قال الشيخ مبارك الميلي : الجزائر قطعة كريمة من المغرب، وطننا الكبير، الواقع على البحر الأبيض المتوسط،مركب الحضارة الشرقية قديمًا. وإذن، العلم و الأدب بالجزائر قديمان بقدم حضارة ذلك البحر، لكنهما معرضان لما يعْرض لوسائل الحياة، و دلائل النظام، و نتائج الاجتماع من قوة و ضعف، و إحكام وانحلال، وازدهار و ذبول. و الجزائر العربية الإسلامية، هي همزة الوصل بين دمشق وبغداد والقاهرة شرقّا، و قرطبة واشبلية و غرناطة غرباً. و هي بالمغرب كلّيتيه : جامع الزيتونة شرقاً و جامع القرويين غربًا. و هما أقدم كليات العالم الإسلامي. و إذا شرف شرقي المغرب بالقيروان و تونس، و غربيّة بفاس و مراكش، ففي وسطه الجزائر بجاية و تلمسان فما دونهما مثل تيهرت الرستمية، و القلعة الحمادية، وقسنطينة الحفصية، و الجزائر التركية. و لتنزّل الجزائر من جارتها برًا وبحرًا، قربًا و بعدًا، منزلة همزة الوصل، سهل عليها تحمل أمانة العلم و أداء رسالة الأدب، ثم عوملت معاملتها، فيعتد بها بنسبة علمائها و أدبائها اليها تارة فتجد منهم البجائي و الزاوي، و التاهرتي، و التلمساني و غيرهم، و تسقط تارة أخرى فلا ينسب إليها بعض أبنائها، أو من أطال استيطانَها. هذا عبد الحق الاشبيلي لا يزال مسجده من القرن السادس حتى اليوم معروفًا. كان سلفيًا في الاعتقادات، مالكيًا في العبادات . و كذلك كانت دولة المرابطين التي سقطت لعهده، و حاول إحيائها بما أغضب عليه الموّحدين الذين أسسوا دولتهم على أنقاضها، و في العبادات بين الشافعية و الظاهرية. و كاد غضبهم ينتهي إلى سفك دمه و لكن الله سلّم. و هذا أبو بكر بن سيد الناس عالم بجاية و محدثها في القرن التاسع انتهى ذكره إلى الملك الحفصي بتونس فاستدعاه لحضرته. و لأول مقابلته تلا عليه : «« فَبِمَا رَحْمَةٍ مِِّن اّلله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّا غَليظَ اٌلْقَلْبِ لَاٌنفَضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفٌ عَنْهُمْ وَاْسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فيِ اٌلاٌَمْرِ فَإَذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اٌللهِ إِنَّ اٌللهَ يُحِبُّ اٌلْمُتَوَكِِّلِين.»» وفي ذلك الأمر شهادة بشجاعة قلبه و عزة نفسه، إذا لفت نظر الملك إلى تلك الاخلاق العالية التي لا تَطيب نفسه لمعاشرته بدونها. و هذا ابن رشيق القيرواني الأديب الشهير، هو من أبناء المسيلة احدى مدن الجزائر التي وسعت ابن هانيء لمَّا ضاقت به الاندلس. ثم هذا ابن خلدون، التونسي المولد و الطلب، نراه يضطرب بالمغرب، و يعمل بالجزائر، و ينزل صغار قراها فيضع مقدمته التي أربتْ شهرتها على شهرة تاريخه القيّم. هذه لفتة إلى الماضي المعلوم، تشهد للجزائر بأنها منبت رجال و معدن نبوغ، و مطلع بدور، و تلك معجزة المغرب المتقدم، و مقرعه المغرب المتأخر.

<< زراعه في مالي حركة العلم و الأدب في الجزائر ? >>

API: RSS | RDF | ATOM
 
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع