التاريخ        0  2590 reads

أصل التسمية
في القرن الأول قبل الميلاد ‏(EN)‏ أنشأ الأمازيغ مملكة على سواحل البحر المتوسط، عُرفت بمملكة مَورِيطَنيَة نسبة إلى كلمة مَورُوس الإغريقية التي تعني أسوَد، هذه المملكة انقسمت سنة 40 إلى مَورِيطَنيَة الطَنجِية في شمال المغرب ومَورِيطَنيَة القَيصَرِية في شمال الجزائر؛ أصبحت هذه التسمية تطلق حاليًا على الجمهورية الإسلامية الموريتانية. لاحقًا تمت الإشارة للمملكة المغربية الحالية باسم المَغرِبِ الأَقصَى باللغة العربية بينما استخدمت اللغات الرومانسية تسميات مشتقة من الكلمة اللاتينية مُرّك وهي تصحيف اسم مُرّاكُش عاصمة سلالة المرابطين.
اعتقد الناس في العالم القديم أن الشمس تشرق من اليابان (باللغة الصينية نِيهُون: مكان شروق الشمس) وتغرب في المملكة المغربية (باللغة العربية المَغرِبُ: مكان غروب الشمس). كان المؤرخون العرب في القرون الوسطى يستعملون لفظ بِلاَدَ المَغرِبِ للدلالة على ثلاثة أقاليم تقع في المنطقة المغاربية: المَغرِبُ الأَدنَى (أفريقية أو تونس)، المَغرِبُ الأَوسَطُ (الجزائر الحالية)، المَغرِبُ الأَقصَى (المملكة المغربية الحالية).
أثناء التعريف عن أنفسهم، كان الشعور بالانتماء لدى الأفراد يتجه عادة نحو واحدة من الأقاليم (أحيانًا القبائل) التي يعيشون بها والتي تشكل مع أقاليم أخرى الدولة المغربية؛ من الناحية السيادية كانت الدولة تنقسم إلى بلاد المخزن (وهي الأقاليم التي كانت تؤدي الضرائب وتحت سيادة مُباشرة من سلاطين المغرب) وبلاد السيبة وهي المناطق التي كانت فيها التنظيمات القبلية تدير شؤونها بنفسها وكان نفوذ السلطة المركزية فيها مجرد نفوذ شكلي.
في بداية القرن السابع عشر كانت "المملكة المغربية" تتشكل من خمسة أقاليم: مملكة مراكش، مملكة فاس، مملكة سوس، مملكة سجلماسة، وبلاد درعة. بالإضافة إلى العديد من الأقاليم التابعة كتلك التي تم احتلالها بعد معركة تونديبي مع إمبراطورية سونغاي سنة 1591.
في التاريخ الحديث، وابتداءًا من أواسط القرن السابع عشر كان المؤرخون الأوروبيون يستخدمون اسم "الإمبراطورية المغربية" وهي أيضًا الفترة التي صادفت سلالة العلويين التي تحكم المغرب منذ ذلك الحين؛ أحيانًا كان يشار للدولة باسم "السلطنة المغربية" المشتقة من لقب السُلطان الذي كان يُطلق على الحاكم أو "الإمبراطورية الشريفية" نسبة إلى نفوذ الشرفاء في الأقاليم.
قام محمد الخامس بتنظيم الدولة الحديثة واعتمَد لقب المَلك سنة 1957 لتصبح "المملكة المغربية" هي التسمية الأكثر شيوعًا والتي تم اعتمادها أيضًا أثناء صياغة الدستور المغربي سنة 1962.

التاريخ

ما قبل التاريخ
عرف المغرب في فترة ما قبل التاريخ (قبل اختراع الكتابة أي قبل سنة 4000 قبل الميلاد ‏(EN)‏) تعاقب عدة حضارات وهي كالتالي: حضارات ما قبل التاريخ: الحضارة الآشولية (منذ 700.000 سنة قبل الميلاد)، الحضارة الموستيرية ‏(EN)‏ (120.000-40.000 سنة قبل الميلاد)، الحضارة العاتيرية (40.000-20.000 سنة قبل الميلاد)، الحضارة الإيبروموريسية (منذ 21.000 سنة قبل الميلاد).

التاريخ القديم
عرف المغرب في فترة التاريخ القديم (ابتداءا من الألفية الرابعة قبل الميلاد) تعاقب عدة حضارات وهي كالتالي:
حضارات العصر الكلاسيكي: الحضارة الفينيقية (منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد ‏(
EN)‏)، الحضارة البونيقية (منذ القرن الخامس قبل الميلاد ‏(EN)‏)، الحضارة الموريطانية (منذ القرن الثاني قبل الميلاد ‏(EN)‏)، الحضارة الرومانية (منذ القرن الأول بعد الميلاد).
خلال التاريخ القديم، فتح المغرب أبوابه بشكل أوسع للدول المحيطة بالبحر المتوسط، عندما ازدهرت تجارة الفينيقيين وأقاموا مستعمرات لهم في مختلف المناطق المتوسطية. تعد كل من شالة
، ليكسوس، والصويرة، من أهم وأول المستعمرات الفينيقية التي أُنشأت في المغرب، وقد بقيت الأخيرة مستعمرة فينيقية حتى القرن السادس قبل الميلاد.
سيطرت الإمبراطورية الرومانية بعد بضعة قرون على جميع المناطق التي أسس فيها الفينيقيون مستعمراتهم، فقام الأباطرة بتقسيم إمبراطوريتهم إلى مقاطعات ونواح عديدة، كان منها مقاطعة موريطنية الطنجية وعاصمتها طنجيس، والتي شملت القسم الشمالي من المغرب الحالي، وفي هذه الفترة عرف المغرب انفتاحاً تجارياً مهماً على حوض البحر المتوسط. سنة 285، تخلت الإدارة الرومانية عن كل المناطق الواقعة جنوب مدينة ليكسوس ما خلا سلا والصويرة. وعند سقوط الإمبراطورية الرومانية خضعت أجزاء من المغرب الحالي للفندال وهم من القبائل الجرمانية الشرقية، ثم إلى القوط الغربيين، فالروم البيزنطيين. إلا أنه خلال هذا الوقت، بقيت معظم المناطق الجبلية المغربية مستقلة عن أي دولة أو إمبراطورية، وخاضعة للزعماء المحليين من الأمازيغ. أتى المبشرون بالمسيحية إلى المغرب خلال القرن الثاني، ولاقت هذه الديانة قبولا بين سكان البلدات والعبيد وبعض الفلاحين.

العصور الوسطى
خلال العصور الوسطى، بدأت الخلافة الأموية بالتوسع في القرن السابع، وفي عام 670 سيطر جيش الدولة الأموية بقيادة عقبة بن نافع على أجزاء من المنطقة المغاربية وضمها إلى المناطق التي يحكمها بنو أمية. استقر العديد من العرب في المغرب وأحضروا معهم قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، وقاموا بنشر الإسلام بين الأمازيغ الذين تقبلوه بأغلبيتهم واتخذو منه دينا لهم. وقام بعض الذين قدموا من شبه الجزيرة العربية بإنشاء ممالك وإمارات مستقلة خاصة بهم، كصالح بن منصور الأول ‏(EN)‏ الذي أسس مملكة نكور ونشر الإسلام بين سكان المنطقة، بعد خوض حروب ومعارك عديدة في الكثير من الأحيان.
أثر المغرب تأثيراً كبيراً في منطقة المغرب الكبير والأندلس، حيث شكّل أول الدول الإسلامية التي استقلت عن الدولة الأموية بعد ثورة البربر وتأسيس إدريس بن عبد الله مملكة المغرب الأقصى سنة 788.
كان مؤسس الدولة الإدريسية المولى إدريس بن عبد الله قد حل بالمغرب الأقصى فارًا من موقعة فخ قرب مكة عام 786، فاستقر بمدينة وليلي حيث احتضنته قبيلة أوْرَبَة الأمازيغية ودعمته حتى أنشأ دولته. تمكن من ضم كل من منطقة تامسنا، فزاز ثم تلمسان. اغتيل المولى إدريس الأول بمكيدة دبرها الخليفة العباسي هارون الرشيد ونفذت بعطر مسموم. بويع ابنه إدريس الثاني بعد بلوغه سن الثانية عشر. قام هذا الأخير ببناء مدينة فاس كما بسط نفوذه على مجمل المغرب.
وبعد سقوط سلالة الأدارسة، ظهرت سلالات المرابطون، الموحدون، المرينيون، الوطاسيون، السعديون، لتحكم المغرب بالتتالي، معظم السلالات المغربية أتت من الصحراء الكبرى واستقرت داخل حدود المغرب الحالي متخذين بعض المدن كعاصمة لدول ذات رقعة جغرافية واسعة، وفي هذه العهود، أي بعد القرن الحادي عشر،ازدهرت البلاد وبرزت كقوة كبرى في شمال غرب أفريقيا، بعد أن حكمت معظم نواحي تلك المنطقة من العالم ومناطق شاسعة من الأندلس. هرب الكثير من المسلمين واليهود إلى المغرب بعد الحروب التي قامت بها الممالك المسيحية الإيبيرية لاسترجاع البلاد من أيدي المسلمين، والتي عُرفت بحروب الاسترداد.

التاريخ الحديث
خلال التاريخ الحديث، استمرت سلالة السعديين في الحكم حتى سنة 1659. برزت بعدها سلالة العلويين والتي كانت تحكم مملكة تافيلالت ابتداءا من 1635، لترث حكم البلاد وتقوم بإعادة توحيد المغرب تحت سلطة واحدة سنة 1666.
في عام 1684 استرد السلطان إسماعيل بن علي الشريف مدينة طنجة من الإنكليز، وأخذ يعمل على توحيد جميع المدن المغربية في مملكة واحدة، على الرغم من معارضة بعض القبائل. كانت المغرب من أول الدول التي اعترفت بالولايات المتحدة كدولة مستقلة عام 1787. وعند بداية الثورة الأمريكية، كانت السفن التجارية التابعة للولايات المتحدة كثيرا ما تتعرض لهجمات القراصنة البربر في المحيط الأطلسي، فأعلن السلطان محمد الثالث أن جميع السفن التجارية الأمريكية تحظى بحماية السلطنة وأنها ستحظى بالحماية عند إبحارها بالمياه الإقليمية المغربية. تُعتبر معاهدة الصداقة المغربية الأمريكية التي أبرمت في ديسمبر من سنة 1777 من أقدم معاهدات الصداقة المستمرة التي أبرمتها الولايات المتحدة.
ابتداءا من القرن الثامن عشر بدا المغرب عاجزا عن مواكبة التطورات والثورة الصناعية التي شهدتها بلدان أوروبا الغربية، وحاولت السلطة المركزية القيام بالعديد من الإصلاحات في القرن التاسع عشر، من أبرز هذه الإصلاحات:
    إصلاحات مالية: عينت الدولة أمناء في المراسي وفرضت عليهم مراقبة شديدة لمحاربة الرشوة والاختلاس، كما حاولت الرفع من قيمة العملة الوطنية وضبطها ومنع تهريبها إلى الخارج.
    إصلاحات تعليمية: أسست الدولة المغربية بسلا مدرسة عصرية لتلقي العلوم الحديثة وخصصت منحا ومكافئات للطلبة المتفوقين، وأرسلت بعثات طلابية إلى أوروبا.
    إصلاحات عسكرية: أرسلت الدولة المغربية بعثات طلابية إلى دول أوروبا الغربية لمتابعة التكوين العسكري وعملت على شراء الأسلحة الحديثة وتشييد مصنع للأسلحة بمدينة فاس.

التشريعات والمؤسسات
من الناحية التشريعية، رغم أن نظام البيعة يتضمن عادة تطبيق قوانين دينية ‏(en)‏ إلا أنه كان يتم في الواقع الاتفاق على قوانين وضعية تنظم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والأمنية في المناطق التي تمتعت بقدر كبير من الحكم الذاتي، هذه الاتفاقيات يتم تدوينها في المدارس وتختلف نسبيًا من منطقة مغربية لأخرى،هذا التنظيم لعب دورا هاما في ضبط التوازنات العامة من داخل المجتمع، خصوصا أثناء ضعف السلطة المركزية أو انعدامها في حال حدوث نزاع حول السلطة.
من الناحية المؤسساتية، كتب الجنرال هوبير ليوطي الذي شغل منصب المقيم العام الفرنسي منذ 1912 حتى 1925: «لقد وجدنا أنفسنا في المغرب أمام إمبراطورية عريقة تاريخيا ومستقلة، متمسكة إلى أقصى حد باستقلالها وشرسة في مواجهة أي محاولة لإخضاعها، وهي تظهر حتى هذه السنوات الأخيرة كدولة قائمة الذات بترتيبها الإداري الوظيفي وممثليها في الخارج».
وقد أكد المؤرخ البريطاني من أصل لبناني ألبرت حوراني (1915-1993) والذي قضى سنوات طويلة أستاذا في جامعة أوكسفورد وجود مؤسسات تنفيذية وقضائية متقدمة إلى حد ما، وقد ورد في فصل من كتابه تاريخ الشعوب العربية: «في أقصى غرب المغرب العربي وفيما وراء حدود الإمبراطورية [العثمانية] تقع دولة من نوع مختلف تماما توجد منذ زمن طويل: إنها الإمبراطورية المغربية»، مضيفا أن هذه الدولة تتوفر على جميع مقومات الدولة الحديثة: المحاكم والوزارات والجيش، حتى وإن كانت قد عرفت فترات من الفوضى وسوء التنظيم.

المجالات العسكرية
كانت ترتكز السياسة المغربية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر على خلق نوع من التوازن الدولي لكي يحافظ المغرب على استقلاله بعيدا عن الأطماع الأجنبية.
بدأت أولى الاتصالات مع الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، حيث أصبح العثمانيون أقوياء جدا بعد سقوط تلمسان (1517) ‏(
en)‏ وسقوط الجزائر (1516) ‏(en)‏ ثم الاستيلاء عليها مرة أخرى بصفة نهائية في سنة 1529 ‏(EN)‏، مقتربين تدريجيا من مناطق نفوذ الدولة المغربية. بعد سقوط تلمسان سنة 1517، قام سلطان تلمسان بالهروب إلى فاس في المغرب لطلب اللجوء.وقد كان العثمانيون يقاتلون في شمال أفريقيا بصفتهم أعداء إسبانيا الكاثوليكية وفي نفس الوقت كانت سلالة السعديين قد أحرزت انتصارات هامة على البرتغاليين الذين اضطروا إلى الانسحاب من الجنوب المغربي، خاصة في أكادير سنة 1514، لتنجح سلالة السعديون فيما بعد بالإطاحة بسلالة الوطاسيين شمال المغرب وإعادة توحيد المغرب تحت سلطة واحدة.
وقد كان السعديون يعتبرون العثمانيين أدنى مرتبة: من الناحية الدينية، السعديون كانوا يُعتبرون من سلالة الرسول، كونهم أشراف، وكان العثمانيون مجرد معتنقين جدد للدين الإسلامي بالمقارنة.
قام السلطان محمد الشيخ بحشد 30,000 رجل، بقيادة ابنه محمد الحران، وقام بغزو مدينة تلمسان سنة 1551، واصلت الجيوش المغربية تقدمها إلى قلعة العثمانيين مستغانم المحصنة، لكنهم فشلوا في الاستيلاء على المدينة. بهذه المناسبة، قام أمير "بانو"، والذي كان يحارب العثمانيين لمدة 30 سنة، بالوقوف معهم ضد السعديين وقام بتزويدهم بالكتائب. نجح العثمانيون في صد الهجوم السعدي بقوة مؤلفة من الكتائب القبلية والإنكشارية العثمانية بقيادة حسن كوسرو، قام العثمانيون فيما بعد باسترداد مدينة تلمسان من المغاربة ووضعوا حاكما عثمانيا على المحمية.
سنة 1552 حاول السلطان سليمان القانوني التقرب دبلوماسيا من السعديين، وألقى اللائمة على حسن باشا ‏(
EN)‏ في حدوث النزاع، وقام بإزالته من حكم إيالة الجزائر، واستبداله بصالح ريس ‏(en)‏ الذي قام بمحاولة لاحتلال مدينة فاس سنة 1554 انتهت بثورة أهلية والتي جاءت كنتيجة لتوتر العلاقات وانعدام الثقة، حيث يظهر ذلك في طبيعة المراسلات بين الطرفين: «سلم على أمير القوارب سلطانك [سلطان الدولة العثمانية] وقل له أن سلطان الغرب [سلطان المغرب] لابد أن ينازعك على محمل مصر ويكون قتاله معك عليه إن شاء الله ويأتيك إلى مصر والسلام».
قام القائد العثماني حسن باشا ‏(
EN)‏ بتدبير محاولة اغتيال ناجحة للسلطان محمد الشيخ -والذي قام بإنشاء حلف مع إسبانيا ضد العثمانيين- في أكتوبر 1557.ثم قام بمحاولة لغزو المغرب سنة 1558 انتهت بانتصار القوات المغربية في معركة وادي اللبن بقيادة السلطان عبد الله الغالب ورجوع الجيش العثماني إلى وهران، هذه الأحداث أدت إلى تماسك وطني في المغرب واحترام للاستقلال المغربي من طرف العثمانيين مما أدى إلى تحسن العلاقات.
قامت الدولة العثمانية بالتدخل في نزاع مغربي داخلي حول السلطة لتؤيد عسكريا عبد الملك الأول السعدي في الحصول على عرش المغرب ضد ابن أخيه ومنافسه محمد المتوكل فيما يعرف بالاستيلاء على فاس سنة 1576 والتي انتهت عن طريق التفاوض بانسحاب الكتائب العثمانية مقابل قدر كبير من الذهب، هذا الأخير قام باللجوء إلى الإمبراطورية البرتغالية مما أدى إلى نزاع مسلح بينها وبين الدولة المغربية انتهت بانتصار القوات المغربية في معركة وادي المخازن سنة 1578 وقيام إسبانيا باحتلال البرتغال. قام السلطان العثماني مراد الثالث ببعث رسالة إلى السلطان المغربي أحمد المنصور سنة 1580 يدعوه فيها إلى الهجوم على الدولتين:
فلما وصل بمسامعنا الشريفة ومشاعرنا الحقانية المنيفة خبر طاغية قشتالة وأنه احتوى على سلطنة برتغالي، أو كاد وأنه جعل أهلها في الأغلال والأصفاد، وأنه لكم جار وعدو مضرار حركتنا الحمية الإسلامية (...) لإظهار الألفة الأزلية أن تتخذ عهداً وتؤكد أن المملكتين محروستا الجوانب ونعلق العهد بالكعبة (...) فإذا تم هذا الشأن (...) نوجه لكم ثلاثمائة غرابا سلطانية وجيش عز ونصر وكماه عثمانية تستفتح بها إنشاء الله بلاد الأندلس...        
إلا أنه في الواقع، قام السلطان مراد الثالث بإعطاء الأوامر لقائد الأسطول قلج علي يأمره بالتجهيز لحملة عسكرية ضد المغرب بهدف ضمه للدولة العثمانية سنة 1581، ردا على ذلك، قام أحمد المنصور بحشد الجنود على الحدود الشرقية واستعدت القوات المغربية لصد الهجوم العثماني كما قام باتفاقية عسكرية مع إسبانيا مما أدى بالسلطان العثماني إلى التراجع والقبول بالأمر الواقع. قام السلطان المغربي أحمد المنصور ببناء طوق دفاعي لحماية مدينة فاس من الهجمات وتأمين الحدود الشرقية بشكل نهائي سنة 1582.

المجالات الاقتصادية
خلال القرن الثامن عشر أخذت المصالح الأوروبية تنمو يوماً بعد آخر في البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت تلك المصالح تحتم على الدول الأوروبية تأمين تجارتها في محاولة للحد من حركة الجهاد البحري التي كانت تقوم بها الأساطيل المغربية في تلك الفترة، ونتيجة لذلك أخذت الكثير من الدول الأوروبية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في عقد أو تجديد معاهداتها مع المغرب، ففي عهد السلطان محمد الثالث (فترة الحكم: 1757 حتى 1790) على سبيل المثال، عقدت حوالي سبع دول أوروبية معاهدات صداقة وتجارة مع المغرب اشتملت على تأمين تجارتها في البحر المتوسط وإعطاء امتيازات لقناصلها وتجارها ومواطنيها، ومن خلال بنود تلك المعاهدات يُلاحظ أن هناك تركيز على سلامة سفن الدول الأوروبية وتقديم الخدمات لها في الموانئ المغربية وأن هناك تشابه بين بنود تلك المعاهدات.
مقابل ذلك، كانت العديد من الدول الأوروبية تلتزم بدفع غرامات مالية له، والسبب يعود إلى تنامي قوته العسكرية في تلك الفترة، وقد وصف المؤرخ المغربي أبو عباس الناصري (1835-1897) علاقة المغرب مع الدول الأوروبية حيث قال في وصف السلطان محمد الثالث (في المنصب: 1757-1790):«وهابه ملوك الفرنج [ملوك أوروبا] وطواغيتهم، ووفدت عليه رسلهم بالهدايا والتحف، يطلبون مسالمته في البحر، بلغ ذلك رحمه الله بسياسته وعلو همته حتى عمت مسالمة أجناس النصارى (...) وكانوا يستجلبون مرضاته بالهدايا والألطاف وكل ما يقدرون عليه، (...) وكان أعظم طواغيتهم طاغية الإنجليز والفرنسيس [الفرنسيين]، فكانوا يأنفون أداء الضريبة علانية مثل غيرهم من الأجناس، فكان رحمه الله يستخرجها منهم وأكثر منها بوجه لطيف».
على الرغم من ذلك، فقد استطاعت كل من فرنسا وإنجلترا أن تبرما معاهدات مع المغرب أعطتهم امتيازات أكثر مما أعطت الدول الأوروبية الأخرى، وهذا يدل على أن هاتين الدولتين كانتا تتمتعان بقوة عسكرية مكنتهما من الحصول على تلك الامتيازات.
مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر أخذت المصالح الأوروبية تزداد تدريجيا في البحر الأبيض المتوسط وبدأ الأوروبيون يخططون للقضاء على القرصنة البحرية في المنطقة المغاربية ومن بينها الأسطول المغربي، ولتحاشي الاصطدام مع الدول الأوروبية قرر السلطان مولاي سليمان (فترة الحكم: 1797 حتى 1822) الحد من نشاط القرصنة البحرية.
من الناحية الاجتماعية، عرفت العديد من المناطق -باستثناء المنطقة الشمالية- فترات متكررة من المجاعة والتي كانت تؤدي إلى الأوبئة وانعدام الاستقرار الاجتماعي، وقد حصل ذلك نتيجة تضافر عوامل طبيعة كالجفاف وزحف الجراد ‏(
en)‏، وعوامل بشرية تمثلت في الصراعات السياسية حول العرش المغربي والطبيعة التقليدية للمجتمع حيث لم تتطور قوى الإنتاج بشكل يسمح بإيجاد فائض في الإنتاج وتكديسه لمواجهة سنوات الجفاف. ويقول المؤرخ الناصري في وصف ذلك «كانت المجاعة الكبيرة بالمغرب وانحبس المطر ووقع القحط وكثر الهرج، ودام ذلك قريبا من سبع سنين (...) أكل الناس فيها الميتة والخنزير والآدمي وفنى أكثرهم جوعا».
غير أن المبادلات التجارية مع أوروبا سمحت بشراء المواد الغذائية من الخارج مما كان يساعد أحيانا على التخفيف من حدة الأزمة، كما حدث عند استيراد القمح بواسطة شركة إسبانية خلال "المجاعة الكبيرة" (1776-1782) أو عندما استورد المغرب الحبوب من جبل طارق سنة 1817.
في مجالات التجارة الخارجية، كانت للمغرب بعض الخصائص التي ميزته عن باقي المنطقة المغاربية وأعطته الأولوية في التجارة مع أوروبا، فالمغرب من الناحية الجغرافية هو الأقرب لأوروبا حيث لا يفصل بينهما سوى مضيق جبل طارق الذي لا يتعدى عرضه في أضيق نقطة 15 كيلومتر، ومن الناحية السكانية فالمغرب يضم أقلية يهودية كانت تشكل حوالي 7% من عدد السكان خلال القرن التاسع عشر وكانت تعمل في التجارة ولها علاقة قوية مع التجار اليهود الأوروبيين مما أدى إلى ارتفاع التعاملات التجارية بين أوروبا والمغرب.[94] كانت مدينة طنجة في بداية القرن العشرين مدينة متنوعة للغاية، إذ أنها أوت عام 1956 40,000 مسلم، 30,000 أوروبي، و 15,000 يهودي.

المرحلة المعاصرة
في بدايات القرن العشرين وبعد فشل الإصلاحات التي هدفت إلى تحديث الدولة والعديد من المشاكل الاقتصادية والأزمات الداخلية والخارجية بعثت فرنسا بجيشها إلى الدار البيضاء في غشت 1907، واضطر السلطان عبد الحفيظ لتوقيع معاهدة فاس سنة 1912، حيث فُرض على المغرب نوعٌ من الحماية جعلت أراضيه تحت سيطرة فرنسا وإسبانيا بحسب ما تقرر في مؤتمر الجزيرة الخضراء بتاريخ 7 أبريل من عام 1906؛ وقتها أصبح لإسبانيا مناطق نفوذ في شمال المغرب، أي في الريف، وجنوبه، أي في إفني وطرفاية، أما باقي المناطق بالمغرب فقد كانت تحت سيطرة فرنسا، وفي عام 1923 تم توقيع بروتوكول طنجة وأصبحت طنجة منطقة دولية ‏(en)‏.
رغم احتفاظ المغرب برموز السيادة كالعملة والعلم الوطني، إلا أن المعاهدة سمحت لدول أوروبية بتدخل اقتصادي وسياسي غير مباشر، القوانين التي كانت تقترحها الأخيرة لم تكن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة سلاطين المغرب الذي كان لهم الحق في رفضها. خدم الكثير من المغاربة في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي الجيش الوطني الإسباني خلال الحرب الأهلية الإسبانية.
في 18 نوفمبر عام 1927، تربع الملك محمد الخامس على العرش وهو في الثامنة عشرة من عمره، أدى رفضه للتدخلات الأجنبية وتقدمِه بطلب إلغاء معاهدة فاس (تقديم وثيقة الاستقلال يوم 11 يناير 1944)، إلى توتر العلاقات مع الإقامة العامة الفرنسية التي قامت في 1953 بنفيِه مع العائلة الملكية خارج المغرب، إلى مدغشقر، الشيء الذي اعتبره البعض نقضًا للوفاق الذي أبرم في 27 نوفمبر 1912 بعد توقيع معاهدة فاس والذي يتعهد فيها البَلدان "بالتزام الاحترام إزاء الإمبراطورية الشريفية"، واندلع بالمغرب ما يعرف بثورة الملك والشعب. سمحت فرنسا لمحمد الخامس بالعودة إلى بلاده سنة 1955، وفي السنة التالية على رجوعه، بدأت المفاوضات بين المغرب وفرنسا التي أدت لاستقلال البلاد في نهاية المطاف.
استمرت الحماية 44 عامًا (1912-1956) تم خلالها تشييد العديد من المرافق الضرورية للدولة الحديثة، استعاد المغرب سيادته على المناطق الخاضعة للحكم الإسباني من خلال اتفاقيات مع إسبانيا ما بين عاميّ 1956 و1958. أُعيدت مدينة طنجة التي تم تدويلها بعد توقيع بروتوكول طنجة إلى المغرب بتاريخ 29 أكتوبر من عام 1956. وقد جرت بضعة محاولات عسكرية لاسترداد الصحراء الإسبانية ‏(
en)‏ (حرب إفني مع إسبانيا وفرنسا سنة 1957) ولكنها لم تكن ناجحة بشكل كبير حيث تم استرجاع سيدي إفني مع بقاء الصحراء الغربية تحت السيطرة الإسبانية.
تربع الحسن الثاني على العرش كملك للمغرب في 3 مارس 1961، وفي ديسمبر 1962 تمت المصادقة بواسطة الاستفتاء على أول دستور يجعل من نظام الحكم في المغرب نظاما ملكيّا دستوريّا. وفي تلك الفترة عرف المغرب تغييرات حدودية متتالية حيث تم استرجاع كل من طرفاية وطانطان (1958)، سيدي إفني (1969)، ثم الصحراء الغربية (1975) بعد أن طالبت المملكة المغربية إسبانيا بالتخلي عن هذا الإقليم وإعادة دمجه بالمغرب إلا أن قضية هذا الأخير ما زالت دون حل حتى اليوم.

View this article in PDF format Print article
Other articles in this category
المغرب في لمحة واحدة
التاريخ
الثقافة
الاقتصاد
السياسة
العسكري