بعد فترة من الهدوء الحذر عاد الصراع من جديد ليتفجر بين قطبي الساحة السياسية في موريتانيا، الحزب الحاكم ومن خلفه أغلبية واسعة تشد عضده وتؤازره في مواقفه وخصوماته السياسية، وزعيم المعارضة أحمد ولد داداه ومن خلفه معارضة أعلنت هي الأخرى في الآونة الأخيرة عن تجاوز خلافاتها وتنسيق مواقفها.
وكانت البداية حين تحدثت مصادر مقربة من المعارضة عن نيتها تصعيد نضالها ضد نظام تقدر أنه يعيش لحظة ضعف داخليا وخارجيا، وتبادر بناء على ذلك بالإجهاز عليه سياسيا وإعلاميا على الأقل.
وفي هذا السياق عقد زعيم المعارضة أحمد ولد داداه مؤتمرا صحفيا انتقد فيه الوضع القائم، وقال إن البلد يعيش انهيارا على كل الصعد سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، ودعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحيلولة دون خروج الأمر عن السيطرة.
وقال إن الوضع الأمني بات مقلقا لجميع السكان، وإن العلاقات مع دول الجوار إما منعدمة أو سيئة، وحذر من مغبة الإساءة إلى العلاقات الحيوية مع مالي بعد استدعاء سفير موريتانيا هناك، وقال في هذا الصدد إن الجيران مثل الأقارب لا نختارهم وإنما هم قضاء وقدر.
تصريحات مبتذلة
ولم يتأخر الحزب الحاكم في الرد على ولد داداه، فاعتبر في بيان له أن تصريحات ولد داداه الجديدة ليست إلا "محاولة مبتذلة ويائسة لمغالطة الرأي العام كما دأب على ذلك في العقود الماضية".
وأشار البيان إلى أن من يستمع إلى داداه وهو "يغاضب نظاما كان بالأمس يرفض الاعتراف به، ويأسف اليوم لعدم لقاء رئيسه لا بد أن يلاحظ مستوى الفشل السياسي المستمر، وخيبة الأمل في الوصول إلى السلطة".
تداعيات
ومن أبرز القضايا التي ستتأثر بتبعات هذا السجال الحوار المنتظر بين الطرفين، حيث تبادل الطرفان الاتهامات عن المسؤولية في عدم استمرار الحوار بعد الانتخابات، رغم أن اتفاق دكار الذي أنهي الأزمة السياسية نص على ضرورة استئنافه بعد الانتخابات، كما يضغط الأوروبيون منذ فترة للعودة إليه.
وفي هذا الصدد يقول أمين الشؤون السياسية بالحزب الحاكم محمد يحيى ولد حرمة للجزيرة نت إن المعارضة هي من يعرقل الحوار نتيجة لإيمانها ببعض اتفاق دكار وكفرها ببعضه الآخر.
وأوضح أنها تتحدث عن استمرارية الحوار طبقا لاتفاق دكار، وتنسى أن نفس الاتفاق أيضا يلزمها بالاعتراف بالنتائج، وبالرئيس المنبثق عنها.
مشكوك فيها
لكن الإمام ولد أحمدو الأمين الدائم لحزب التكتل الذي يرأسه زعيم المعارضة، رفض في تصريح للجزيرة نت مثل هذا الطرح، ونفى أن يكون اتفاق دكار يلزم أي طرف بالاعتراف بنتائج مشكوك فيها، لكنه أشار إلى أن في القبول بالجلوس مع طرف آخر نوعا من الاعتراف الضمني.
وألقى ولد أحمدو باللائمة في تصعيد السجال على الحزب الحاكم، قائلا إنه نزل إلى مستوى غير مقبول أخلاقيا في التعبير عن المواقف، وهو ما سيكون تأثيره سلبيا على مجمل العلاقات المستقبلية بين المكونات السياسية.
بيد أن القيادي في الحزب الحاكم ولد حرمة رفض ذلك، وقال إن البادئ أظلم وإن الطرف الآخر هو من سيحدد مستقبل السجال بناء على مواقفه.
إلى تصعيد
ويعتقد الصحفي والكاتب محمد سالم محمدو أن السجال مؤهل لكثير من التصعيد، خصوصا في ظل تفاقم ما تعده المعارضة أزمات سياسية واقتصادية وتراه الأغلبية نهضة سياسية وتنموية تكابر المعارضة في الاعتراف بها.
وعن تداعيات هذا السجال يستبعد ولد محمدو أن يقدم النظام في الفترة القريبة على موقف عملي للتضييق على زعيم المعارضة ومؤسسته، لكنه لا يستبعد أن يعيد النظام خطة تفكيك حزب التكتل التي بدأت عمليا منذ اختلاف الطرفين بعد مراجعة ولد داداه لموقفه من الانقلاب العسكري الذي قاده ولد عبد العزيز.
ويخلص ولد محمدو إلى أن السجال قد يتخذ أبعادا أخرى، خصوصا إذا لجأ الإعلام الرسمي إلى تبييض صورة النظام، وتشويه زعيم المعارضة، وهو خيار غير مستبعد، وله سوابق في عمل وسائل الإعلام العمومية.