دخلت العلاقات السياسية والأمنية بين موريتانيا ومالي في أزمة جديدة، بعد استدعاء موريتانيا مساء الاثنين لسفيرها في العاصمة المالية بامكو للتشاور، احتجاجا على إطلاق مالي سراح مواطن موريتاني ناشط في تنظيم القاعدة ومطلوب لدى العدالة الموريتانية.
وفيما يبدو تأكيدا لعمق الأزمة الناشبة بين البلدين، أصدرت وزارة الخارجية الموريتانية بيانا شديد اللهجة انتقدت فيه بقوة قرار السلطات المالية بالإفراج عن الناشط السلفي بران ولد نافع، وقالت إنه يمثل خروجا على كل الأعراف والاتفاقيات الموقعة بين البلدين سواء في المجال السياسي، أو في المجالين القضائي والأمني.
وقالت الخارجية في بيانها إن قرار مالي كان مفاجئا لها، ومثل أكثر من ذلك خطوة غير ودية تجاه موريتانيا، بل وخطوة ضارة بالعلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصا أنها ثاني مرة تقدم مالي على خطوة من هذا القبيل بحسب ما جاء في البيان.
وقال السفير والناطق باسم وزارة الخارجية الموريتانية باباه سيدي عبد الله للجزيرة نت إن موريتانيا ترفض وتستنكر هذه الخطوة، وتعتبر أن على مالي أن تحترم واجب حسن الجوار، وأيضا واجب الالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها هي نفسها مع دولة موريتانيا.
ورفض ولد سيدي عبد الله الكشف عن الخطوة القادمة التي ستتخذها موريتانيا تجاه مالي بعد استدعائها لسفيرها، قائلا إن مثل هذه القضايا لها قنواتها الخاصة التي تبحث وتناقش فيها، بعيدا عن وسائل الإعلام العمومية.
ضغوط فرنسية
وكانت الحكومة المالية قد أطلقت قبل أيام سراح أربعة من تنظيم القاعدة من بينهم موريتاني، إثر محاكمة وصفت بأنها شكلية، بعد أن أوشكت المهلة التي حددها تنظيم القاعدة لإعدام رهينة فرنسي على الانقضاء إذا لم يتم الإفراج عن الناشطين الأربعة الذين من بينهم جزائريان مطلوبان لدى أجهزة الأمن الجزائرية.
وجاء الإفراج عن المعتقلين بعد زيارتين متتاليتين قام بهما وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر لبامكو للضغط فيما يبدو على الحكومة المالية من أجل الاستجابة لطلبات تنظيم القاعدة بإخلاء سبيل معتقليه الذين يسجنهم الأمن المالي منذ نحو تسعة أشهر، إثر مواجهات مع الجيش المالي قتل خلالها بعض عناصره.
وأعلن الثلاثاء في العاصمة الموريتانية نواكشوط أن وزيرة الخارجية الناها بنت مكناس بدأت زيارة لفرنسا لم يعلن عنها سابقا، يعتقد على نطاق واسع أنها تأتي في إطار محاولات احتواء الموقف، وإعادة العلاقات الموريتانية المالية إلى سابق عهدها.
رسائل ومخاوف
ويعتبر البعض أن غضب موريتانيا يحمل رسائل إلى الغربيين مفادها أن لا يسعوا لإنقاذ رهائنهم بنفس الطريقة، ورسائل إلى القاعدة بأننا لن نسلك الطريق ذاته.
وقد أبدى الصحفي والمحلل السياسي يعقوب ولد باهداه مخاوف جدية من تأثير الخطوتين على مستقبل علاقات البلدين.
وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن استدعاء موريتانيا لسفيرها في مالي سيؤثر سلبيا على التنسيق بين البلدين لمحاربة "الإرهاب"، خصوصا أن الجزائر المعروفة بعلاقاتها الطيبة مع مالي، تقف بقوة إلى جانب موريتانيا.
ورغم أن لكلا البلدين مصالح حساسة لدى الآخر، فإن ولد باهداه رأى أن علاقات الطرفين قد تدخل في نفق مظلم، رغم أن منطقة الحدود بينهما غير مضبوطة، ليس فقط بسبب القاعدة، وإنما لوجود قبائل عربية مالية متذمرة من سياسات سلطات بامكو وتجد امتدادا لها في المناطق الموريتانية المحاذية.
ونبه إلى وجود تمرد قوي للطوارق في مالي لم تنجح الاتفاقيات حتى الآن في تهدئته، فضلا عن مشاكل الرعاة ونقاط المياه والصراعات وتهريب المخدرات وانتقال المهاجرين السريين عبر الطريق المعبد بين البلدين.